بـ1.9 مليار دولار.. زعماء العالم يدعمون حملة لاستئصال شلل الأطفال
بـ1.9 مليار دولار.. زعماء العالم يدعمون حملة لاستئصال شلل الأطفال
أعلن زعماء العالم تعهدهم بتوفير 1.9 مليار دولار لدعم برنامج استئصال شلل الأطفال العالمي، في محاولة لإنقاذه من فجوة تمويل تهدد بإبطاء مسيرة حماية 370 مليون طفل سنوياً من الفيروس الذي ما زال قادراً على ترك آثار لا تُمحى في أجساد الصغار.
ظل شلل الأطفال لفترة طويلة واحداً من أكثر الأمراض رعباً بسبب شلل الأطراف الذي يصيب الأطفال بشكل خاص، وما يتركه من معوقات دائمة، ورغم التقدم الهائل الذي حققته جهود المكافحة منذ تسعينيات القرن الماضي، فإن المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال تواجه اليوم واقعاً مالياً بالغ التعقيد، قد يعيد العالم خطوات إلى الوراء إذا لم تُسد الفجوة التمويلية الضخمة التي تمتد حتى عام 2029 وتبلغ 1.7 مليار دولار، وفق وكالة رويترز.
تمويلات في لحظة حرجة
تأتي التعهدات الجديدة التي بلغت 1.9 مليار دولار لتمنح الحملة العالمية جرعة دعم ضرورية، خاصة في ظل توقعات بانخفاض ميزانية المبادرة بنحو 30 بالمئة في عام 2026، وهذا الانخفاض المقلق يعود، وفق مسؤولين دوليين، إلى التراجع الحاد في المساعدات الخارجية، وومنها انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، رغم استمرار دعمها برامج التصدي لشلل الأطفال، إلى جانب تقليص دول مانحة مثل ألمانيا وبريطانيا لإسهاماتها التقليدية.
أمام هذا الوضع، أعلنت المبادرة أنها ستعيد تقييم أولوياتها التشغيلية، مع تكثيف التركيز على أنشطة الرصد الميداني والتطعيم في المناطق التي لا يزال انتقال الفيروس فيها فعلياً، سواء عبر السلالات المتوطنة أو المتحورة، ويقول خبراء الصحة إن المناطق الهشة أو تلك التي تواجه نزاعات مسلحة، تظل الأكثر عرضة لعودة الفيروس أو استمرار انتشاره، ما يفرض جهداً لوجستياً كبيراً لضمان وصول اللقاحات إلى كل طفل.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إن الدعم الذي تم التعهد به يشكل خطوة بالغة الأهمية، مضيفاً أن التمويلات الجديدة ستعزز قدرة المبادرة على الوصول إلى الأطفال في البلدان التي لا يزال فيها الفيروس متوطناً، ووقف انتشار السلالات المتحورة التي ظهرت في السنوات الأخيرة في عدة مناطق حول العالم.
التزام طويل الأمد
وفي خطوة بارزة، أعلن بيل جيتس أن مؤسسته ستقدم 1.2 مليار دولار خلال أربع سنوات لدعم الحملة، ويعد هذا الالتزام واحداً من أكبر الإسهامات الفردية في تاريخ المبادرة، ويأتي في ظل تحذيرات متكررة من أن أي تراجع في التمويل قد يسمح للفيروس باستعادة قوته والانتشار من جديد.
كما قدمت منظمة روتاري الدولية 450 مليون دولار، إضافة إلى تعهدات أخرى قدمتها حكومات ومؤسسات مدنية، من شأنها تقليص فجوة التمويل المتبقية في الاستراتيجية الممتدة من عام 2022 إلى عام 2029 إلى 440 مليون دولار فقط.
ورغم أن هذا المبلغ لا يزال يمثل تحدياً، فإن التقدم المحقق خلال فعالية التعهدات التي استضافتها مؤسسة محمد بن زايد للأثر الإنساني ضمن فعاليات أسبوع أبوظبي المالي، يعكس إدراكاً عالمياً بأن معركة القضاء على شلل الأطفال لم تنتهِ بعد.
تراجع التمويل العالمي
يعزو خبراء الصحة العامة جانباً كبيراً من الأزمة الحالية إلى التحولات السياسية والاقتصادية العالمية التي دفعت حكومات عدة إلى تقليص المساعدات الخارجية، وإذا كان العالم قد نجح في خفض عدد الإصابات بالشلل بنحو 99 بالمئة منذ انطلاق المبادرة، فإن هذا التقدم يمكن أن يضيع بسرعة كبيرة إذا تراجع التمويل أو تعطلت حملات التطعيم في المناطق الهشة.
ويشير مسؤولون في المبادرة إلى أن التحدي لم يعد فقط في توفير ملايين جرعات اللقاح كل عام، بل في صعوبة العمل في بيئات تتسم بانعدام الأمن والصراعات وسوء البنية الصحية، إضافة إلى ظهور سلالات متحورة ناتجة عن ضعف التغطية باللقاحات في بعض المناطق.
وشكل اكتشاف لقاح شلل الأطفال في خمسينيات القرن الماضي نقطة تحول في تاريخ الطب، إذ أسهم في إنقاذ ملايين الأطفال حول العالم، لكن تحقيق الاستئصال الكامل يتطلب استمرار معدل تغطية لا يقل عن 95 بالمئة في كل مجتمع، وهو رقم يصعب بلوغه في بعض المناطق لأسباب لوجستية أو سياسية أو اجتماعية.
ومن أجل ذلك، أصبحت المبادرة العالمية تعتمد على شبكة معقدة من أنظمة الرصد، تشمل آلاف العاملين الصحيين المحليين الذين ينتشرون في القرى والأحياء النائية لرصد أي حالة يشتبه في إصابتها بالفيروس، إضافة إلى فحص شبكات الصرف الصحي في عدد كبير من المدن حول العالم.
رسالة إنسانية تتجاوز الأرقام
ورغم أن التقارير المالية وحجم التعهدات تتصدر المشهد، فإن جوهر القضية يظل إنسانياً بالدرجة الأولى، فكل دولار يتم توفيره يقرب العالم خطوة من حماية طفل جديد من الشلل، وكل تأخير في توفير التمويل يعني بقاء مجتمعات كاملة عرضة لخطر عودة المرض.
وقد أكد خبراء الصحة العالمية أن القضاء على شلل الأطفال لن يكون مجرد انتصار طبي، بل سيكون إنجازاً إنسانياً هائلاً يضع حداً لمعاناة عائلات لا تزال تعيش الخوف من مرض يمكن الوقاية منه بسهولة، ويؤكد هؤلاء أن النجاح في استئصال المرض سيعني توفير مليارات الدولارات التي تنفق سنوياً على العلاج والرعاية، إضافة إلى حماية مستقبل أجيال بأكملها.
انطلقت المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال عام 1988 بشراكة بين منظمة الصحة العالمية واليونيسف ومراكز مكافحة الأمراض ومؤسسة غيتس ومنظمة روتاري الدولية، وقد انخفض عدد الإصابات المسجلة عالمياً من أكثر من 350 ألف إصابة سنوياً في ثمانينيات القرن الماضي إلى بضع عشرات فقط خلال السنوات الأخيرة.
ولا يزال الفيروس متوطناً في دولتين فقط هما باكستان وأفغانستان، في حين ظهرت سلالات متحورة في دول أخرى نتيجة ضعف التغطية باللقاحات، وتحتاج المبادرة سنوياً إلى تمويل يغطي حملات التطعيم والرصد والمراقبة، إضافة إلى دعم المجتمعات المتضررة وضمان وصول ملايين الجرعات للأطفال الأكثر عرضة للإصابة.











